من ضجيج الفرح إلى صمت الخوف.. لماذا تحرم دول أفرادها من الحق في العبادة؟
من ضجيج الفرح إلى صمت الخوف.. لماذا تحرم دول أفرادها من الحق في العبادة؟
في ظلال أجواء الفرح التي تكتسيها الأجواء في موسم عيد الأضحى، تبرز صورة مؤلمة تعكس واقعًا مغايرًا حيث يتعذر على فئات عديدة ممارسة أبسط حقوقها الدينية، ألا وهي أداء صلاة العيد والاحتفال بحرية.
هذا الحق البديهي الذي قد يبدو للوهلة الأولى طبيعيًا في معظم المجتمعات، إلا أنه في العديد من المناطق، سواء في قلب الضفة الغربية، أو في أقاليم نائية كإقليم شينجيانغ الصيني حيث تعيش الأقلية المسلمة من الإيغور، وحتى في بعض الدول الأوروبية التي تدعي احترام حقوق الإنسان، تتحول ممارسة هذا الحق إلى تحدٍ يومي يعكس أوجه القمع والانتهاكات التي تطال الحرية الدينية.
الحق في العبادة ليس مجرد أداء شعائر دينية، بل هو جزء من هوية الإنسان وكرامته، ورفض تمكين الناس من ممارسة عباداتهم بحُرية يشبه تجريدهم من قطعة من أرواحهم، كأن من يحرمهم من هذا الحق يحبس شعورهم الروحي في زنزانة مظلمة، لا ترحم إلا النور الحقيقي الذي ينبع من الحرية الدينية، “جسور بوست” تستكشف في هذا التقرير بعض جوانب هذه القضية التي تمس جوهر الإنسانية.
القيود الإسرائيلية
في الضفة الغربية، يعاني الفلسطينيون من سلسلة معقدة من القيود الإسرائيلية المفروضة على حركتهم وحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية، وفق تقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان في عام 2024، فإن أكثر من 40% من سكان الضفة الغربية يواجهون صعوبات في الوصول إلى المساجد لأداء الصلاة، خصوصًا في أوقات المناسبات الدينية الكبرى مثل صلاة العيد، بسبب الحواجز العسكرية الإسرائيلية المنتشرة، ونقاط التفتيش التي تتحكم بكل تحركات السكان. بعض القرى والمخيمات مثل بلدة النبي صالح وبلدة كفر قدوم تواجه حظرًا شبه كامل على التجمعات، ما يعني عمليا منع إقامة صلاة العيد الجماعية. هذه القيود لا تتوقف عند حدود الحركة، بل تشمل أيضًا الاعتقالات التعسفية التي تستهدف منظمين دينيين أو شخصيات مجتمعية تحاول تنظيم فعاليات دينية.
بحسب منظمة “بيتسيلم” الحقوقية الإسرائيلية، فإن الاعتقالات خلال فترة العيد زادت بنسبة 30% خلال السنوات الأخيرة، ووفقًا لتقاريرهم فإن غالبية المعتقلين يُحتجزون دون توجيه تهم واضحة، مما يعكس سياسة تقويض الحق في ممارسة الشعائر الدينية بحرية، هذا الواقع يخلق مشهداً مأساوياً؛ العيد الذي يفترض أن يكون وقتًا للتآلف والفرح، يتحول إلى مناسبة تتجدد فيها آلام الإقصاء والظلم.
القيود الصينية
أما في الصين فقد دخل موضوع حرية العبادة حيّزًا من الحظر والتشديد الذي يتجاوز الحدود التقليدية، ليتحول إلى حملة منهجية واسعة ضد أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ، فوفقًا لتقرير حديث صادر عن “مراقبة حقوق الإنسان” Human Rights Watch (HRW) في مارس 2025، فقد جرى توثيق حالات ممنهجة لمنع الإيغور من أداء الصلوات واحتفالات العيد، إضافة إلى إغلاق العديد من المساجد تحت ذرائع مزعومة مثل “مكافحة التطرف”. حتى الملابس الدينية التقليدية التي تعبر عن الهوية الدينية – مثل الحجاب عند النساء أو اللحية عند الرجال – تُعتبر في بعض الأحيان مؤشرات على “التطرف”، ما يؤدي إلى الاعتقال أو إعادة التأهيل القسري.
في مراكز الاحتجاز والتأهيل التي تعرف رسمياً باسم “المخيمات التعليمية” في إقليم شينجيانغ الصيني، تشهد حرية العبادة قمعاً ممنهجاً واستهدافاً مباشراً لهوية المعتقلين الدينية والثقافية. حيث تُفرض على المعتقلين إجراءات صارمة تمنعهم من أداء أي شعائر دينية، بما في ذلك الصلوات الجماعية ومناسبات مثل صلاة العيد، التي تُعد من أهم اللحظات التعبدية والاجتماعية في حياة المسلمين وفق تقارير منظمة العفو الدولية (Amnesty International) الصادرة عام 2024، فإن عدد المحتجزين من الإيغور في هذه المخيمات يتجاوز المليون شخص، وسط توثيق واسع لمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية، وهو ما يعكس سياسة ممنهجة تهدف إلى محو الهوية الدينية والثقافية لهذه الأقلية.
تتجاوز الإجراءات القمعية حدود المنع المباشر للصلاة أو التعبد، لتشمل فرض برامج لغوية وسياسية مكثفة تهدف إلى “إعادة تأهيل” المعتقلين عبر إجبارهم على التخلي عن معتقداتهم الدينية وقيمهم الثقافية، ما يشكل محاولة منهجية لمحو وجودهم الروحي والثقافي، وهذا القمع لا يقتصر على الجانب الجسدي، بل يمتد ليشمل تدميراً نفسياً عميقاً، إذ توثق العديد من شهادات الناجين كيف يشعرون بعزلة روحية تعادل أو تفوق العزلة الجسدية، حيث يُحرم الإنسان من حقه في الصلاة والاحتفال بالعيد، في سجن يشبهه كثيرون بـ”مقبرة للأرواح”.
الوضع في أوروبا
على الجانب الأوروبي، رغم وجود أطر قانونية واضحة تضمن حرية العبادة ومناهضة التمييز، فإن الواقع يختلف كثيراً، إذ تتزايد حالات التضييق على المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية، لا سيما خلال مناسبات مثل صلاة العيد، ففي فرنسا، التي تتبنى علمانية صارمة، كشفت تقارير حقوقية متعددة، مثل تقرير مركز “بيت الحكمة” للدراسات الإسلامية الصادر في 2023، عن حملات متكررة من الشرطة لتفكيك المساجد المؤقتة التي تقام خلال فترة العيد في ضواحي باريس ومدن أخرى، بحجج تتعلق بعدم الترخيص أو مخالفات بلدية. هذه الإجراءات أثارت استياء آلاف المسلمين الذين اعتبروها انتهاكاً صريحاً لحقهم في التعبير عن هويتهم الدينية وحرماناً من روح العيد التي تتجسد في التجمعات والصلاة الجماعية.
أما في ألمانيا فالوضع لا يختلف كثيراً، حيث تواجه الجاليات المسلمة صعوبات متزايدة في إيجاد أماكن مناسبة لأداء صلاة العيد، نتيجة رفض البلديات منح التراخيص أو فرض شروط تعجيزية تحول دون إقامة الصلوات، ووفقاً لإحصائيات وزارة الداخلية الألمانية الصادرة في 2024، شهدت جرائم الكراهية الدينية ارتفاعاً بنسبة 15% خلال السنتين الماضيتين، مع تصاعد ملحوظ في مدن مثل برلين وهامبورغ. هذا المناخ من العداء والتضييق يجعل كثيرين من المسلمين يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، غير مرحب بهم في مجتمعاتهم.
إن هذا التباين بين الخطابات الرسمية التي تؤكد على حرية الدين وحقوق الإنسان، وبين الممارسات اليومية التي تعيق المسلمين من أداء شعائرهم الدينية، يبرز تناقضاً صارخاً يعكس بُعداً أعمق من الإقصاء الاجتماعي والسياسي، إذ يتحول العيد، الذي يُفترض أن يكون مناسبة للفرح والتآلف، إلى مناسبة تتجدد فيها مشاعر الغربة والرفض، وكأن هؤلاء المواطنين يعيشون في وطنهم الحقيقي كغرباء، محرومين من مشاركة لحظات الفرح الروحي مع مجتمعهم.
في المجمل، فإن حرمان فئات من أداء صلاة العيد أو الاحتفال بحرية يتعدى كونه انتهاكاً لحق ديني بسيط، ليصبح جزءاً من منظومة شاملة من التمييز والاضطهاد، تهدف إلى تقييد الحريات الأساسية، ومحو الهوية الفردية والجماعية، وإسكات الأصوات التي تحمل عمقاً روحياً وإنسانياً، فالحرمان من الصلاة في العيد يشبه حرمان الإنسان من حقه في أن يحتفل بإنسانيته، من أن يختبر لحظة السلام الداخلي التي تمنحها العبادة، ومن أن يشعر بأنه جزء من مجتمعه وهويته.
على الصعيد الدولي، تؤكد القوانين والمواثيق الحقوقية، وعلى رأسها المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن “لكل فرد الحق في حرية الفكر والضمير والدين؛ يشمل هذا الحق حرية تغيير دينه أو معتقده، وحرية إظهار دينه أو معتقده بالتعليم والممارسة والعبادة والشعائر سواء منفرداً أو مع جماعة، في العلن أو في السر”، ومع ذلك تبقى هذه الضمانات مجرد نصوص نظرية ما لم تترجم إلى واقع عملي يوقف سياسات القمع والتمييز التي تحرم ملايين البشر من ممارسة حقهم الأصيل.
انتهاك الحق في العبادة خطر يتسع
صرّح الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون الآسيوية، عامر تمّام، بأنّ ظاهرة التضييق على حرية العبادة، ولا سيما أداء صلاة العيد، لم تعد مقتصرة على أنظمة سلطوية أو بلدان معروفة بانتهاكها لحقوق الإنسان، بل باتت تنتشر، بشكل أو بآخر، حتى في دول توصف بأنها ديمقراطية وحديثة وتحترم حقوق الإنسان، وأضاف تمّام أن هذه الانتهاكات تتخذ أشكالاً متعددة، وتستند إلى ذرائع سياسية وأمنية واجتماعية، من بينها الخوف من التجمعات الدينية، أو اعتبار مظاهر التعبير الإسلامي تهديداً محتملاً للنظام العام.
وشدد، في تصريحات لـ"جسور بوست"، على أن هذا النوع من المنع يشكّل، بلا أدنى شك، انتهاكاً صريحاً لحقوق الإنسان، وتحديداً للحق في حرية الدين والمعتقد، وهي حقوق مكفولة بوضوح في المواثيق الدولية، ومنها المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تؤكد على أن لكل فرد الحق في ممارسة شعائره الدينية بحرية، سواء فردياً أو جماعياً، علناً أو سراً، وأوضح أن دور الدولة، في هذا السياق، يجب أن يكون الحماية وليس القمع، وأن من واجبها ضمان أن يؤدي الناس عباداتهم بسلام وأمان، لا أن تكون هي من يمنعهم ويخيفهم.
ولفت تمّام إلى الآثار الخطيرة المترتبة على هذا النوع من التقييد، موضحاً أن حرمان الأفراد من أداء شعائرهم الروحية، خاصة في مناسبات ذات طابع رمزي ومعنوي عميق مثل الأعياد، يؤدي إلى مشاعر بالظلم والإقصاء، وقد يُفاقم الإحساس بالغربة واللاانتماء داخل مجتمعاتهم، وقال إن هذه المشاعر، إذا تراكمت، قد تتحوّل إلى بيئة خصبة لليأس، وربما في بعض الحالات القصوى، للتطرف والعنف كرد فعل على الشعور بالإقصاء والتهميش.
وأشار إلى أن الآثار النفسية للمنع لا تقل خطورة عن الآثار القانونية والسياسية، إذ يتسبب الحرمان من التعبير الروحي في حالة من الجفاف الداخلي، وقطع العلاقة بين الفرد ومجتمعه، ويؤدي إلى قطيعة وجدانية بين المواطن والدولة، وأكد أن “الدين، في جوانبه الروحية والوجدانية، ليس طقساً فردياً فحسب، بل هو شكل من أشكال الانتماء والتكامل، وعندما يشعر الفرد بأن شعائره السلمية تُرفض أو تُقيد دون مبرر واضح، فإن ذلك يولد شرخاً لا يُرى بسهولة، لكنه عميق التأثير”.
وأضاف تمّام أن بعض الدول، مثل إيطاليا، سنّت قوانين تمنع أداء الصلوات في الشوارع، ما يعيق الجاليات الإسلامية عن ممارسة شعائر العيد في الأماكن العامة، وهو ما يتكرر كذلك في عدة دول آسيوية، حيث تفرض قيوداً على التجمعات الدينية، إما بذريعة النظام العام أو تحت مظلة قوانين طوارئ فضفاضة. وأوضح أن هذه الإجراءات، رغم تنوعها، تندرج ضمن نمط عالمي متصاعد من الحدّ من حرية المعتقد، سواء في الشرق أو الغرب.
وفي السياق العربي، اعتبر تمّام أن الانتهاكات الدينية تأخذ شكلاً أكثر فظاعة، وأحياناً تصل إلى حدود الجرائم ضد الإنسانية، كما هو الحال في الأراضي الفلسطينية، حيث تُرتكب انتهاكات ممنهجة ضد الفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين على حد سواء. وأشار إلى اقتحام المسجد الأقصى، وحرق المساجد، وقتل المصلين كما حدث في الحرم الإبراهيمي، باعتبارها أمثلة دامغة على انتهاك حرية العبادة وكرامة الإنسان.
ولفت إلى أن التضامن بين الجاليات المسلمة حول العالم ضرورة ملحة، مشيرًا إلى الحملات الشعبية التي اندلعت في مواجهة الرسوم المسيئة للرسول، والتي أثمرت عن ضغط فعلي على بعض الحكومات والشركات، مما يدل على أن العمل الجماعي المنظم يمكن أن يحقق نتائج ملموسة.
وأوضح تمام أن هناك فرقًا في نمط الانتهاكات بين الشرق والغرب؛ ففي حين تتجلى الانتهاكات في الغرب عبر تقييد قانوني أو ثقافي، تتخذ في العالم العربي طابعًا قمعيًا مباشرًا، سواء من أنظمة الحكم أو من قوى احتلال. وفي كلا الحالتين، تبقى النتيجة واحدة: حرمان الإنسان من حقه في ممارسة معتقده بحرية وكرامة.
وأكد أن سبل التصدي لهذه الانتهاكات ينبغي أن تبدأ من الداخل، عبر وعي الجاليات الإسلامية بأهمية التنظيم والاندماج الإيجابي، ليكون لها صوت مسموع وثقل سياسي وقانوني. كما دعا إلى استخدام الوسائل السلمية والقانونية، كاللجوء إلى المحاكم والبرلمانات للطعن في القوانين التمييزية، وإطلاق حملات ضغط وتوعية تثبت سلمية الشعائر الإسلامية، وتدحض الذرائع الأمنية الزائفة.
وختم تمّام تصريحه بالتأكيد على أن الاعتراف بحرية العبادة ليس مكرُمة تمنحها الدولة حين تشاء، بل هو حق أصيل لا يُجزّأ، وأن احترامه هو ما يصنع جسور الثقة بين المواطن ومؤسسات بلده، ويؤسس لمجتمعات متماسكة تحترم التعددية، وتنتصر للإنسان.
تقييد صلاة العيد بين القانون الدولي وذرائع الأمن
قال الدكتور سيد مكاوي، الخبير في الشؤون الآسيوية، إنّ تقييد أداء صلاة العيد في بعض المناطق تحت ذرائع أمنية أو بمبررات السياسات المحلية يثير تساؤلات جوهرية من منظور القانون الدولي، الذي يُفترض أن يكون مظلةً حامية للحقوق الأساسية، وعلى رأسها حرية الدين والمعتقد. فبحسب المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن حرية الفرد في الدين تشمل الحق في إظهار الدين أو المعتقد، عبر التعبد وممارسة الشعائر والتعليم، سواء بشكل فردي أو جماعي، وسواء في الخفاء أو أمام الملأ.
غير أن الدكتور مكاوي يوضح في تصريحات خاصة ل"جسور بوست"، أن هذا الإطار القانوني، على صلابته، لا يُطبّق دومًا بصورته المثالية، إذ يتأثر بعدة عوامل منها السياق السياسي، والاجتماعي، إضافةً إلى موقع الجماعة الدينية في المجتمع، أكانت تنتمي للأغلبية أو للأقلية. في معظم الدول، تُخضع السلطات الممارسة الدينية لقوانين محلية تنطلق غالبًا من قاعدة "دفع الضرر مقدّم على جلب المنفعة"، أي أنه إذا رأت الدولة أن ممارسة جماعة دينية ما لشعائرها في مكان مفتوح قد يُعرّض أبناءها للخطر، فقد تعمد إلى تقييد تلك الممارسة بذريعة حمايتهم.
وفيما يخص الآثار النفسية والاجتماعية التي تلحق بالمجتمعات حين يُمنع أفرادها من الاحتفال بالعيد بشكل حر، أشار مكاوي إلى أن الأثر يكون سلبياً بطبيعة الحال، لكنه ليس مطلقًا بل يعتمد على السياق الأمني والسياسي للبلد. المجتمعات التي تشعر بأنها محرومة من ممارسة هويتها الدينية علنًا تعاني من شعور بالاغتراب والتهميش، مما يهدد النسيج الاجتماعي ويولّد إحساسًا بالظلم.
وعند سؤاله عن طبيعة الانتهاكات التي تتعرض لها الأقليات المسلمة في مناطق مختلفة من العالم، أوضح مكاوي أن الأمر يختلف من منطقة إلى أخرى. ففي البلدان العربية التي تعاني من اضطرابات أمنية أو سياسية، تصبح أي تجمعات – سواء كانت دينية أو ترفيهية – محفوفة بالمخاطر، ومن الصعب تنظيمها دون تهديد مباشر. أما في الدول المستقرة، فإن الأمور تكون أفضل عمومًا من حيث حرية التجمع والممارسة الدينية.
في أوروبا، أشار إلى أن صعود التيارات اليمينية المتطرفة خلق مناخًا من التوجس والقلق لدى الأقليات الدينية، حيث أصبحت تمارس عباداتها تحت رقابة اجتماعية متزايدة، وتواجه حملات تشويه واتهام متكررة. أما في الصين، فقد أبدى مكاوي تحفظًا على الروايات الغربية التي تتهم بكين بارتكاب انتهاكات واسعة بحق مسلمي الإيغور، مؤكدًا أن تلك الروايات لا تحظى بقبول واسع في العالمين العربي والإسلامي، الذين يرون في الأقلية المسلمة في الصين جسرًا حضاريًا مهمًا، وليس محورًا للصراع. ولفت إلى أن ما يحدث في غزة اليوم من مجازر تُرتكب بحق الفلسطينيين، والصمت الغربي المريب إزاءها، فضلاً عن استخدام الولايات المتحدة للفيتو في مجلس الأمن لعرقلة قرار يدين الإبادة، يوضح مدى ازدواجية المعايير التي يتعامل بها الغرب مع قضايا حقوق الإنسان، ما يدفع الكثيرين لإعادة النظر في صدقية حملاتهم الحقوقية الموجهة للصين أو غيرها.
وفي ما يتعلّق بالسبل المتاحة للدفاع عن الحق في العبادة، شدد مكاوي على ضرورة أن تسعى الجماعات الدينية، لا سيما الأقليات، إلى النضال السلمي من داخل أوطانها، في إطار القانون، وبما يراعي تعقيدات الواقع السياسي والأمني. وأكد أن الحفاظ على السلم الأهلي هو غاية لا تقل أهمية عن ممارسة الشعائر نفسها. كما حذّر من أن تُستغل قضايا الحريات الدينية من قبل أجندات أجنبية تسعى لتفكيك المجتمعات من الداخل تحت غطاء الدفاع عن حقوق الأقليات.
واختتم بالقول إن النضال من أجل الحرية الدينية يجب أن يكون وطنيًا وواعيًا، قائمًا على احترام التعدد، وإدراكٍ عميق بأن الدفاع عن حرية العبادة لا يجب أن يأتي على حساب وحدة الوطن أو أمنه.